بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب (تأملات) كان قد صدر قسم منه عام 1960م تحت عنوان (حديث في البناء الجديد)، وقسمه الآخر صدر عام 1961م تحت عنوان (تأملات في المجتمع العربي).
وحينما همَّ الاستاذ مالك رحمه الله بطبع كتبه من جديد، شاء أن يعطي لتأملاته شمولاً يتلاءم مع نطاقها. فهو إذا تحدث عن المجتمع العربي فإنما يعالج الظواهر المرضية التي انتظمت العالم المتخلف من أقصاه إلى أقصاه. وإذا تحدث عن بناء جديد فإنما يبرز الحاجة إلى حضارة تنقل البلاد المتخلفة إلى مستوى المشاركة في مسيرة العالم.
لذا ... سميناه (تأملات)، يدخل في نطاقها المجتمع العربي، كما يدخل العالم الإسلامي والعالم المتخلف في عمومه.
والتأملات هذه تجربة.
إنها حصيلة ما أحاط بالمؤلف من أحداث في الخمسينات وبداية الستينات.
فقد جاء مالك بن نبي إلى القاهرة عام 1956 يحمل أصول كتابه باللغة الفرنسية (الفكرة الافريقية الآسيوية. l'Afro-Asiatism) ، وعرفنا الاستاذ مالك في القاهرة، وعرفه القارئ العربي من خلال ما أصدر في العربيّة. حتى إذا كان عام 1959م زار دمشق في طريقه إلى لبنان، فوجد فيها رجال الجامعة والمثقفين والطلاب، يسبق إليهم فكر بن نبي فيحفزهم إلى مزيد منه.فالمحاضرات التي نشرت تحت عنوان (حديث في البناء الجديد)، جاءت حصيلة تلك الزيارة عام 1959م، وقد اشتملت على أسلوب يوضح فكره المبثوث في مختلف الكتب.
وقد خلفت هذه الزيارة صلات بين المؤلف وأهل الفكر في دمشق، فما عاد إلى القاهرة حتى دعته وزارة الثقافة والإرشاد في ذلك العهد إلى إلقاء محاضرتين في سورية، وتتابعت المحاضرات بعد ذلك، فإذا هي يكمل بعضها بعضاً، وإذا هي تأملات جديدة اتسع لها كتاب جديد صدر بعد فترة من مجموعة المحاضرات الأولى.
وعلى الرغم من زمن طويل يفصلنا عن أفكار هذه المحاضرات، فإنها ما تزال تخاطبنا في مسيرتنا نحو المستقبل. وما تزال تأملات مالك بن نبي في صميم المشكلة، تحفزنا في السياسة كما تحفزنا في الإقتصاد والإجتماع، إلى تأصيل المنهج وبناء الثقافة القائمة على توظيف الطاقات الإنمائية في خدمة المجتمع.
ولقد نرى مالكاً كاتباً إسلامياً، يختار الإسلام صيغة تعبير عن نهضتنا وثقافتنا المرتقبة، ولكنه أبعد ما يكون عن أولئك الذين يزينون الإسلام بزينة الحضارة المعاصرة.
فقد انعكس على الفكر الإسلامي الحديث موقعنا من الحضارة الغربية وصلتنا بها بصفتنا مستسلمين لمعطياتها غير مشاركين فيها. وقد أسهم هذا اللبس في شائعة الشعور بأزمة الإسلام في العصر الحديث.
وإذا كانت الشائعة هذه ظاهرة في كتابات الذين اختاروا العقائد الغربية المتصارعة، فإنها تبدو في العمق النفسي لكثير من أولئك الذين يطرحون الإسلام دينا ورسالة. فالمسلم في إطار الحضارة المعاصرة إما متهِم لها أو متهَم منها.لذا اهتم بن نبي بدراسة التاريخ يرقب سير الحضارات ويستخلص القواعد الثابتة والسنن التي لا تبديل لها. وقد أضاف بمؤلمفاته ومخاضراته إلى فكرنا آفاقاً صافية، لا يشوبها ضباب الثقافة الغربية ونماذجها المستوردة.
فالمؤلف بما أوسع لمحاضراته من تحليل، وبما أكثر من أمثال، قد شاء أن يحدد لتجارب الحضارة المعاصرة حجمها الطبيعي، نتيجة للعمل المشترك في مرحلة من مراحل تطور الإنسان.
فالاستاذ مالك يطرح القواعد الأساسية لفعالية الإرادة الإنسانية وقوتها في صنع الحضارة.
وإذا كنا ما نزال نراوح مكاننا في كل صعيد، وإذا كانت إرادتنا الاجتماعية قاصرة عن بناء مستقبلنا الإقتصادي والاجتماعي، فذلك لأن انحرافاً فكرياً أخرجنا عن الطريق. ولقد جاءت محاضرات بن نبي تؤازر مؤلفاته العديدة، في تحديد المنهج القادر على إخراجنا من أزمتنا الراهنة.
فدراسات بن نبي تضيء لجهود التنمية الاجتماعية والإقتصادية في العالم المتخلف، زاوية الفعالية حين تتناول بناء الإنسان في إطار ثقافة، تستجيب لمعطياته وأصالته.
تلك سمات نشهدها جلية في (تأملات) كما نلمسها في سائر ما كتب بن نبي.
ولقد أعدنا طبع المحاضرات هذه بعد ما راجعنا أسلوبها العربي فصححنا بعض العبارات وجلونا بيان بعضها.
والكتاب هذا هو الثاني نصدره بعد (ميلاد مجتمع)، ولسوف يتبعه ثالث إن شاء الله، حتى نعيد طبع كتب المؤلف جميعاً إن شاء الله.
طرابلس- لبنان 1976/ 8/8 عمر مسقاوي
كتاب (تأملات) كان قد صدر قسم منه عام 1960م تحت عنوان (حديث في البناء الجديد)، وقسمه الآخر صدر عام 1961م تحت عنوان (تأملات في المجتمع العربي).
وحينما همَّ الاستاذ مالك رحمه الله بطبع كتبه من جديد، شاء أن يعطي لتأملاته شمولاً يتلاءم مع نطاقها. فهو إذا تحدث عن المجتمع العربي فإنما يعالج الظواهر المرضية التي انتظمت العالم المتخلف من أقصاه إلى أقصاه. وإذا تحدث عن بناء جديد فإنما يبرز الحاجة إلى حضارة تنقل البلاد المتخلفة إلى مستوى المشاركة في مسيرة العالم.
لذا ... سميناه (تأملات)، يدخل في نطاقها المجتمع العربي، كما يدخل العالم الإسلامي والعالم المتخلف في عمومه.
والتأملات هذه تجربة.
إنها حصيلة ما أحاط بالمؤلف من أحداث في الخمسينات وبداية الستينات.
فقد جاء مالك بن نبي إلى القاهرة عام 1956 يحمل أصول كتابه باللغة الفرنسية (الفكرة الافريقية الآسيوية. l'Afro-Asiatism) ، وعرفنا الاستاذ مالك في القاهرة، وعرفه القارئ العربي من خلال ما أصدر في العربيّة. حتى إذا كان عام 1959م زار دمشق في طريقه إلى لبنان، فوجد فيها رجال الجامعة والمثقفين والطلاب، يسبق إليهم فكر بن نبي فيحفزهم إلى مزيد منه.فالمحاضرات التي نشرت تحت عنوان (حديث في البناء الجديد)، جاءت حصيلة تلك الزيارة عام 1959م، وقد اشتملت على أسلوب يوضح فكره المبثوث في مختلف الكتب.
وقد خلفت هذه الزيارة صلات بين المؤلف وأهل الفكر في دمشق، فما عاد إلى القاهرة حتى دعته وزارة الثقافة والإرشاد في ذلك العهد إلى إلقاء محاضرتين في سورية، وتتابعت المحاضرات بعد ذلك، فإذا هي يكمل بعضها بعضاً، وإذا هي تأملات جديدة اتسع لها كتاب جديد صدر بعد فترة من مجموعة المحاضرات الأولى.
وعلى الرغم من زمن طويل يفصلنا عن أفكار هذه المحاضرات، فإنها ما تزال تخاطبنا في مسيرتنا نحو المستقبل. وما تزال تأملات مالك بن نبي في صميم المشكلة، تحفزنا في السياسة كما تحفزنا في الإقتصاد والإجتماع، إلى تأصيل المنهج وبناء الثقافة القائمة على توظيف الطاقات الإنمائية في خدمة المجتمع.
ولقد نرى مالكاً كاتباً إسلامياً، يختار الإسلام صيغة تعبير عن نهضتنا وثقافتنا المرتقبة، ولكنه أبعد ما يكون عن أولئك الذين يزينون الإسلام بزينة الحضارة المعاصرة.
فقد انعكس على الفكر الإسلامي الحديث موقعنا من الحضارة الغربية وصلتنا بها بصفتنا مستسلمين لمعطياتها غير مشاركين فيها. وقد أسهم هذا اللبس في شائعة الشعور بأزمة الإسلام في العصر الحديث.
وإذا كانت الشائعة هذه ظاهرة في كتابات الذين اختاروا العقائد الغربية المتصارعة، فإنها تبدو في العمق النفسي لكثير من أولئك الذين يطرحون الإسلام دينا ورسالة. فالمسلم في إطار الحضارة المعاصرة إما متهِم لها أو متهَم منها.لذا اهتم بن نبي بدراسة التاريخ يرقب سير الحضارات ويستخلص القواعد الثابتة والسنن التي لا تبديل لها. وقد أضاف بمؤلمفاته ومخاضراته إلى فكرنا آفاقاً صافية، لا يشوبها ضباب الثقافة الغربية ونماذجها المستوردة.
فالمؤلف بما أوسع لمحاضراته من تحليل، وبما أكثر من أمثال، قد شاء أن يحدد لتجارب الحضارة المعاصرة حجمها الطبيعي، نتيجة للعمل المشترك في مرحلة من مراحل تطور الإنسان.
فالاستاذ مالك يطرح القواعد الأساسية لفعالية الإرادة الإنسانية وقوتها في صنع الحضارة.
وإذا كنا ما نزال نراوح مكاننا في كل صعيد، وإذا كانت إرادتنا الاجتماعية قاصرة عن بناء مستقبلنا الإقتصادي والاجتماعي، فذلك لأن انحرافاً فكرياً أخرجنا عن الطريق. ولقد جاءت محاضرات بن نبي تؤازر مؤلفاته العديدة، في تحديد المنهج القادر على إخراجنا من أزمتنا الراهنة.
فدراسات بن نبي تضيء لجهود التنمية الاجتماعية والإقتصادية في العالم المتخلف، زاوية الفعالية حين تتناول بناء الإنسان في إطار ثقافة، تستجيب لمعطياته وأصالته.
تلك سمات نشهدها جلية في (تأملات) كما نلمسها في سائر ما كتب بن نبي.
ولقد أعدنا طبع المحاضرات هذه بعد ما راجعنا أسلوبها العربي فصححنا بعض العبارات وجلونا بيان بعضها.
والكتاب هذا هو الثاني نصدره بعد (ميلاد مجتمع)، ولسوف يتبعه ثالث إن شاء الله، حتى نعيد طبع كتب المؤلف جميعاً إن شاء الله.
طرابلس- لبنان 1976/ 8/8 عمر مسقاوي
المصدر
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire