مؤلفات مالك بن نبي

lundi 24 mars 2014

الفكرة الدينية: رؤوف بوقفة


نقصد بالفكرة الدينية فهمنا للدين, بمعنى أن الفكرة الدينية هي نتاج تفاعل العقل مع الدين ,فالدين باعتباره عامل ثابت مقدس تعهد الله بحفظه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾
( الحجر /09) والفهم باعتباره نتاج عقلي فهو عامل متغير بالنسبة للأفراد والجماعات والأزمنة والأمكنة ,ففهم البدوي غير فهم الحضري وفهم المتعلم يختلف عن فهم غير المتعلم وفهم المعاصرين للرسول يختلف عن فهم العصر العباسي الذي هو بدوره يختلف عن العصر العثماني وعن عصرنا الحالي ,وذلك بسبب تفاوت الفهم بين الأشخاص : ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُواْ الْأَلْبَابِ ﴾ (الزمر/09) وبحكم البيئة والزمان والمكتسبات والوراثة والاستعداد الفطري: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾( الحجرات 13) ﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾( الإسراء 21) وباعتبار أن النص الديني جاء خطابا للعقل الإنساني ,فان العقل البشري يتلقى النص الديني لفهمه ثم يعيد صياغته ,فيضفي عليه في إطار سلسلة من الإسقاطات النفسية والزمنية والبيئية فيصبح عند ذلك فكرة دينية
و إن كان النص الديني مقدس ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾( فصلت 42) عند التلقي ,فانه بعد تفاعله مع العقل يصبح فكرة دينية متغيرة حسب الظروف لذلك قيل الفتوى تدور مع الزمان والمكان واعتبرت المصالح المرسلة احد مصادر التشريع الإسلامي وبرزت قاعدة لزوم تغير الفتوى عند تغير العرف وقاعدة العادة محكمة ( راجع ثر قاعدة تغير الفتوى بتغير الأزمان والأحوال لأحمد بن باكر بن صالح البكري وتغير الفتوى: أسبابه وضوابطه لأحمد بن عبد العزيز الحداد)
ولتوضيح الأمر لنعطي مثلا بالنص الديني الذي يحرم الاختلاء بالأجنبية , والفكرة الدينية للشافعي هي جواز اختلاء الشيخ بالمرأة العجوز ,وفتواه هذه أفتاها في العراق باعتبار أنه رأى أن المجتمع العراقي في وقته انعدام الشهوة عند كبار السن ,لكن الفكرة الدينية نفسها تغيرت عند نفس الشخص بعد نزوله مصر وملاحظته وجود شهوة عند كبار السن فيها ,فأفتى بحرمة اختلاء الشيخ بالمرأة العجوز
فالفكرة الدينية هنا تغيرت بسبب عنصر المكان ,كما أن الفكرة الدينية تتغير بتغير الأحوال :"وهو الذي جعل عمر بن عبد العزيز حينما كان واليا على المدينة المنورة يقبل القضاء بشهادة ويمين ولما كان في الشام رفض هذا,قيل له كنت تقبل هذا في المدينة ,فقال اني وجدت الناس في الشام على غير ما عهدتم عليه في المدينة ,فعندما تغيرت أخلاق الناس تغير الحكم ." كتاب موجبات تغير الفتوى في عصرنا / يوسف القرضاوي ص 51
كما أن الفكرة الدينية المتعلقة بالرق مثلا أو بالسبي تغيرت بتغير الزمان مع أنها كنص ديني ثابتة
وبالتالي فالنص الديني ثابت لا يتغير,أما الفكرة الدينية فهي متغيرة ,ومن الأخطاء القاتلة في الفكر الإسلامي إضفاء القدسية على الفكرة الدينية ورفعها لمرتبة النص الديني وما نتج على ذلك باتهام المخالف للفكرة الدينية بالفسق والتبديع وحتى الكفر.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire