مؤلفات مالك بن نبي

lundi 24 mars 2014

تجليات النص المقدس: /رؤوف بوقفة

تجليات النص المقدس:
النص الديني , نص مقدس ثابت لا يتغير ,
﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾( فصلت 42) وهو مع هذا يتجلى في ثلاث مراتب للفهم  مرتبة الإسلام , مرتبة الإيمان, مرتبة الإحسان)
وتجليات النص المقدس توقيفية من منزل الكتاب : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ , فليس بمقدور الفكر أن يزيد مرتبة للتجلي أو يقصي مرتبة , لكن للفكر أن يجتهد ضمن النسق المعرفي لتجليات النص المقدس , فتكون بذلك الفكرة الدينية ذات صبغة اسلاموية أو ذات صبغة إيمانية أو صبغة احسانية :﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُون﴾ (البقرة 138) وكلها في إطار الفكرة الإسلامية بثلاث مستويات للفكرة : المستوى الأول للفكرة الدينية والمستوى الأوسط للفكرة الدينية والمستوى الأسمى للفكرة الدينية ,المستوى الأسمى ألإحساني يضم في مستواه المستوى الأول والثاني للفكرة ويرقى بهما وعليهما , بينما المستوى الثاني الإيماني يضم في مستواه المستوى الأول الاسلاماوي ويعلو عليه
وكثير من أصحاب المستوى الأول للفكرة الدينية ( الفكرة الدينية الاسلاموية ) هم الذين يحجرون على الفكرة الدينية , باعتقادهم أن المستوى الأول للفكرة الدينية هو المستوى الأوحد وأن الفهم الاسلاماوي هو الفهم الأصوب ,باعتبارهم الفرقة الناجية
وهذا الفهم الذي يشكل خطرا على الفكرة الدينية لأنه يقولبها في صنمية تمنعها من النمو والتحرر , فكر بدائي موجود منذ القدم ,لا تخلوا منه أمة فالشعب اليهودي ناد به من قبل وما زال صنف منه يدعيه ليتسلل بعدها للأمة المسيحية : " فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللهَ قَائِلِينَ: «قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ " ( إنجيل لوقا 7 16)
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ (المائدة (18 ثم استبد بالأمة الإسلامية بعد أن نفضت باقي الأمم عقولها منه ,فكل طائفة منا تدعي أنها هي الطائفة المنصورة والفرقة الناجية وهذا الفكر وان اتخذ الدين غطاءا له فانه بعيد عن روح الدين إن لم نقل منافيا لها ,يؤمن بحرفية النص وبظاهر القول دون إعمال للعقل ولا تفعيل للقلب , فهو تجسيد للعقد النفسية الفردية منها والجماعية يغالي في الاحتياط حتى ترك للدين الرحمة نصيا ونزعها من قلوبهم فعليا مجسدا الظاهرة الفرعونية في قوله تعالى :﴿ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ (غافر29 (فنظرته للأمور نظرة شيئية ,جزئية ,سطحية ,يركز على مسائل الخلاف ويصنف من خلالها الناس فجعل الفكرة الدينية/الخطاب الديني كله جرح وتعديل ويصنف من خلاله الناس ,يحتكر وحده الحقيقة كفكر إقصائي لا يؤمن بالآخر ولا بالتكامل والتنوع ...
والإسلام كخاتم الرسائل والمهيمن عليها :﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾( المائدة 48) دين مرحلي يصاحب الإنسان في مراتب الارتقاء الحضارية ,حيث تبدأ الرحلة بمحطة الإسلام الذي وضح الرسول أركانه في قوله : {بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ){ رواه البخاري ومسلم .)
ثم نصل إلى المحطة الثانية , محطة الإيمان والتي قال فيها الرسول :{ أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره .}
لنصل بعدها للمحطة الأخيرة , محطة الإحسان والذي قال فيه الرسول : {أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.{
جاءت مجتمعة في الحديث عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: {بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً . قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان ؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره . قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان ؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة ؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل . قال: فأخبرني عن أمارتها ؟ قال: أن تلد الأَمَةُ ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان . قال: ثم انطلق فلبثت مليّاً، ثم قال لي: يا عمر، أتدري من السائل ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) رواه مسلم .
هذه هي المرحلية الحركية للإسلام الحضاري التي وجب على أصحاب الفكرة الدينية مواكبة خطابهم الديني لها , لكن للأسف بعض أصحاب الفكر الديني اكتفوا من هذه المرحلية الحركية بالمحطة الأولى فقط فجاء فكرهم الديني اسلاماوي وهم عن جهل لا يعرفون أن الرحلة لم تنته ومازالت محطتين مهمتين , لذلك جاء خطابهم الديني مضرا للإسلام , مشوها له ,مسيئا إليه
ولقد هيمن الفكر الديني الاسلاماوي على الخطاب الديني واحتكره لوحده ,فأصبح هو الناطق الرسمي للنص المقدس والمفسر له والمتحدث باسمه , وهذه الهيمنة ,ليست بهيمنة فكرية نتيجة قوة الطرح و ملائمته وموائمته للمتغير بل لأنه قبس أثر من تجلي النص الديني
إن هيمنة الفكر الاسلاماوي على الخطاب الديني ,جاء نتيجة تبني أنظمة شمولية له مجسدة إياه بفكرة القوة , مسخرة في ذلك المال العام لخدمته وتصديره وانتشاره وتعميمه ومحاربة في نفس الوقت الفكر الايماني والفكر الاحساني لأنهما يهددان الأنظمة الشمولية المستبدة باسم الدين في معقلها , فيصبح المجتمع المسلم مجتمع موجه ويتحول الدين الذي هو ثورة الشعوب ومحررها وفق الفكرة الدينية الايمانية والاحسانية الى أفيون يخدر الشعوب وينومها , فالدين الذي يحجر على العقل ويحارب الإبداع بدعوى الابتداع ويحارب التطور السنني هو دين نتاج خطاب ديني اسلاماوي ,جاء لخدمة مصالح الحكام وحلفاؤهم من رجال دين البلاط مهما تعددت المسميات واختلفت المسببات.

3 commentaires:

  1. هذا هو الواقع للأسف الشديد وهو ما يفلس الحراك الإسلامي الراهن ويشيع فرصة ثمينة لا تعوض على الأمة التي كانت تنتظر بديلا إسلاميا عن الإفلاس الحضاري والتنموي الذي آلت إليه الحركة الوطنية التي توقفت عند تحرير البلاد من الاستعمار المباشر ولم تقم بإنجاز الغاية من ذلك وهي تحرير الإنسان وتنمية البلاد والموارد البشرية خاصة وبعث الحضارة الإسلامية المعاصرة لكنها لم تفعل قصورا وتقصيرا فالتفتت الأمة إلى عنصر الإسلام في هويتها مستنجدة وإذا به يأتي إسلامويا قاصرا مقصرا لا يقوى على إنجاز أي شيء فخاب الأمل في صورته هذه وهي في المهد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

    RépondreSupprimer
  2. قلت وهو ما يضيع فرصة ثمينة على الأمة

    RépondreSupprimer
  3. السلام علبكم ..
    شكرا للإثراء اساتذي الكريم .

    RépondreSupprimer