مالك بن نبي المفكر الجزائري المسلم العالمي المعاصر عالج بكفاءة فريدة موضوع الانحطاط الحضاري للمسلمين واقترح حلا ناجعا له استفادت منه ماليزيا وتركيا وأندونسيا فخرجت من التخلف بل اهتمت بفكره ونهلت منه بلدان متقدمة وللأسف الشديد لم يستفد منه بلده الجزائر ومن أجل محاولة لتدارك هذ التقصير الخطير في حق مفكرنا وشعبنا ووطننا ارتأت جماعة التفكير في إنشاء منبر لهذا الفيلسوف العالم الفذ وهذا مشروعنا الذي انضم إليه البعض وينتظر انضمام الكثير مع المساهمة في اقتراح الاهتمامات الرئيسية لهذه الصفحة الواعدة
مؤلفات مالك بن نبي
dimanche 30 mars 2014
تغير القيم/بقلم الاستاذ رؤوف بوقفة
القراءة التحليلية في كتاب "الظاهرة القرآنية " لمالك بن نبي ** عبد المالك حمروش ** الحلقة (23)
القراءة التحليلية في كتاب "الظاهرة القرآنية " لمالك بن نبي ** عبد المالك حمروش ** الحلقة (23)
اقتناعه الشحصي
مقياسه الظاهري
مقياسه العقلي
مقياسه العقلي
السلام عليكم .. مساء الخير
موضوع اليوم هو اقتناعه الشخصي
مقياسه الظاهري
مقياسه العقلي
هذا الموضوع الذي يقع دائما في سياق كفية الوحي عند المؤلف مالك بن نبي
موضوع اليوم هو اقتناعه الشخصي
مقياسه الظاهري
مقياسه العقلي
هذا الموضوع الذي يقع دائما في سياق كفية الوحي عند المؤلف مالك بن نبي
نواصل من حيث توقفنا في الجلسة الماضية في منتصف ص 151 .. حيث يستمر المفكر مالك بن نبي في الحديث عن المقياس العقلي وأيضا الظاهري لوقوع ظاهرة الوحي مميزا لها عن الظواهر النفسية العادية التي تقع لجميع الناس والتي يمكن إخضاعها للدراسات العلمية النفسية كما أراد الدارسون الغربيون ومنهم المستشرقون وحتى تلاميذهم العرب والمسلمون التعامل مع ظاهرة الوحي من إجل الوصول إلى نفيها .. يتحدث مالك عن الحالة الأولى لتلقي الوحي وفي هذا يعتبر الرسول هو الشاهد "الممتاز" على حدوث الظاهرة أي أنه لا شاهد آخر غيره مما يعني أن الظاهرة خاصة ولا يشترك فيها معه أحد اللهم إلا مثيلاتها لدى الأنبياء والمرسلين ويبقى ما هو خاص به لا يشاركه فيه أحد .. ويذهب مفكرنا في هذا الصدد إلى حد اعتبار جهاز الاستقبال الحسي والملاحظة عند الرسول (ص) يتميز عن مثيله عند بقية البشر يقول: (وفي محيط النبوة يمكن أن نتصل بوضع خاص بالنبي في استقبال موجات ذات طبيعة خاصة). مما يدفع إلى التساؤل هل طبيعة الجسم النبوي وأحاسيسه بالتالي تختلف عن تلك التي لجميع الناس؟ وإن كان سياق حديث فيلسوفنا لا يذهب هذا المذهب بل يؤكد البشرية الخالصة لشخص النبي لكنه في مسألة الوحي يجعله متكيفا مع هذه الظاهرة الخاصة ومكتسبا لقدرات ربما يمكن لجميع البشر أن يكتسبوها لو مروا بنفس التجربة وهكذا يضرب مالك بن نبي عصفورين بحجر واحد هما الحفاظ على الطبيعة البشرية الصرفة لشخص الرسول وفي ذات الوقت تميزه عن باقي الناس نتيجة تكيف يحصل له بسبب تعامله مع ظاهرة الوحي الخاصة به كواحد من الأنبياء والرسل وليست متيسرة لجميع البشر الآخرين لا بطبيعتهم ولكن لأنهم لم يمروا بنفس الحالة ولم يخوضوا نفس التجربة. ثم يروي المؤلف الحالة النفسية الصعبة لتلقي الوحي في المرة الأولى ثم في الثانية حيث حضر جبريل حسيا في هيئة رجل شاهده محمد رسول الله وتلقى منه أمر "اقرأ". نهاية ص 151. في الصفحة الموالية 152 يواصل المؤلف وصف الظاهرة التي جاءت هذه المرة مسموعة ومرئية وهي تثبت بما يدع مجالا للشك أنها ليست خيالا ولا هلوسة وإنما هي ظاهرة حقيقية لا يرقى إليها الشك ولا يتطرق بأي حال من الأحوال في منظور النقد الذاتي للنبي وهو يتأكد مما يعتري حواسه وشخصه من معاناة كبيرة لظاهرة لم يسبق له معرفتها ولا التعامل معها .. ومما يزيد الظاهرة تأكيدا هو أمر القراءة الموجه إلى أمي يقول بن نبي وهذا تكون المشاهدة التي قام بها النبي للظاهرة محيرة ومتشابكة مختلطة مما يجعله يحزم أمره ويعود سريعا من غار حراء إلى مكة مضطربا كما لم يحصل له أبدا خائر القوى في حاجة إلى من يساعده ويطمئنه فتقوم خديذة بما أمكنها من ذلك فينام إلا أنه يستفيق مرتعبا على صوت كان قد استمع إليه في غار حراء يناديه (قم فأنذر) .. [المدثر 2/74]
ولأول مرة هنا يدرك النبي أهمية ظاهرة الوحي في حياته الخاصة مما جعله يعبر عن ذلك الاقتناع محدثا خديجة: (لقد أمرني جبريل أن أنذر الناس, فمنذا أدعو, ومنذا يستجيب؟), إنه يقين يقول مالك بن نبي نلاحظ فيه شكا بالرغم من أنه يقين لا يتزعزع حتى نهاية الدعوة ومما يشهد على ذلك جوابه لعمه أبي طالب عندما عرضت عليه قريش عروضا مغرية ليتخلى عن الدعوة مقابلها, لكنه مع ذلك لم يكن متيقنا من النجاح نظرا للوضع الخارجي الصعب .. ما ذا يكون رد فعل الناس؟ إن استجابتهم شبه مستحيلة بالرغم من اليقين الذي لا يتزعزع الحاصل في نفس الرسول على أن الدعوة رسالة ربانية لا ريب فيها (نهاية ص 152) .. ولنتوقف هنا لنشرع في المرة القادمة من بداية ص 153.
ولأول مرة هنا يدرك النبي أهمية ظاهرة الوحي في حياته الخاصة مما جعله يعبر عن ذلك الاقتناع محدثا خديجة: (لقد أمرني جبريل أن أنذر الناس, فمنذا أدعو, ومنذا يستجيب؟), إنه يقين يقول مالك بن نبي نلاحظ فيه شكا بالرغم من أنه يقين لا يتزعزع حتى نهاية الدعوة ومما يشهد على ذلك جوابه لعمه أبي طالب عندما عرضت عليه قريش عروضا مغرية ليتخلى عن الدعوة مقابلها, لكنه مع ذلك لم يكن متيقنا من النجاح نظرا للوضع الخارجي الصعب .. ما ذا يكون رد فعل الناس؟ إن استجابتهم شبه مستحيلة بالرغم من اليقين الذي لا يتزعزع الحاصل في نفس الرسول على أن الدعوة رسالة ربانية لا ريب فيها (نهاية ص 152) .. ولنتوقف هنا لنشرع في المرة القادمة من بداية ص 153.
______________
jeudi 27 mars 2014
حضارة السراب :/رؤوف بوقفة
حضارة السراب :
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ النور (39)
ينتج الفكر الأعرابي حضارة سرابية شيئية والتي قوامها تجميع الأشياء فهي حضارة تراكمية تجميعية للأشياء المادية وكما أن تجميع اللبنات مع الرمل و الماء و الاسمنت لا يعطي لنا جدار إسمنتي بل يعطي لنا كومة أشياء فكذلك قوام الحضارة الشيئية حضارة لا تقوم على فكرة ولا على الأشخاص بل على الأشياء فان حدث وسقطت الأشياء سقطت الحضارة ولم تقم لها قائمة بعد ذلك , فالحضارات التي قامت على الأفكار إن حدث ودمرت بفعل الحروب ( اليابان وألمانيا مثلا) فإنها سرعان ما تعاود النهوض لكن الحضارات التي قامت على الأشياء ( البترول مثلا) فانه في حالة حدوث كارثة بشرية (حروب) أو طبيعية ( زلزال...) أو نفاذ البترول فإنها ستنهار ولن تقوم لها قائمة فنماذج (ما يفعله أغنياء البترول العرب بثروة البترول من بطر وتبذير في بذخ أسطوري مبتذل لم يعد مقبولاً لا بمقاييس الأخلاق ولا الذوق الرفيع ولا أحكام الــــدين.
وهي أفعال تتساوى في مساوئها وسقوطها في سلُّم القيم الإنسانية على مستوى الأفراد والمسؤولين في مؤسسات الحكم المختلفة.
على مستوى الأفراد لا يحتاج المراقب لأكثر من التجوال في شوارع لندن التجارية ومناطق سكنها الفاحشة الأثمان ليرى العجب العجاب.
فأن يسوق شباب خليجيون سيارات فارهة مطلية بالذهب وتصل أسعار بعضها إلى أكثر من مليون جنيه إسترليني، أو أن يفاخر أحدهم بأنه اشترى رقم سيارته في مزاد علني في بلاده بتسعة ملايين جنيه، أو أن يتبختر أحدهم بأنه نقل سيارته الأعجوبة من بلاده إلى لندن بواسطة طائرته الخاصة، أو أن يزور أحدهم متجر مجوهرات فلا يخرج منه إلاُ وقد صرف عشرين مليون جنيه، أو أن يدفع بعضهم مئة مليون جنيه لشراء شقًّة فاخرة تطلُّ على منتزه هايد بارك، فأن يحدث كل ذلك من قبل أناس لم يمارسوا قط الإنتاج أو الإبداع أو العمل المضني فانه بطر مجنون لا بد من طرح ألف سؤال وسؤال بشأنه كظاهرة مرضية تثير الغثيان ولا بد أيضاً من مساءلة المجتمعات والأنظمة السياسية التي فرًّخت تلك الظاهرة العبثيًّة.
على مستوى الحكومات تعبت الأقلام وجفًّ حبرها وهي تكتب عن عبثية الصًّرف على شراء أسلحة لا تستعمل، على إعلام يهبط بأذواق الناس ويكذب عليهم ويقودهم إلى جحيم الصٍّراعات المذهبية والقبلية والعرقية، على قصور ويخوت وطائرات خاصة عزًّ نظيرها في قصص ألف ليلة وليلة، على اقتصاد ريعي لا يبني تنمية إنتاجية - معرفية مستدامة وإنٌّما يلعب بالمال البترولي في ساحات القمار والمضاربات العقارية والأسهمية ومن ثمًّ تذرف الحكومات الدًّمع على تراجع خدماتها الأساسية الإنسانية في حقول الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية للأطفال والمسنٍّين والعجزة والمهمُّشين والفقراء، وماذا تفيد دموع التماسيح وعجز الإرادة.
لكن دعنا نورد لهؤلاء وأولئك ما حدث لدولة الأرجنتين، دولة السًّمن والعسل في القرن التاسع عشر فلعلُّنا نأخذ العبر قبل فوات الأوان.
يذكر الكاتب الإنكليزي ألن بيتي في كتابه ' الاقتصاد الكاذب ' الذي يراجع تاريخ الاقتصاد في العالم، بأن الاقتصاد الأرجنتيني كان مشابهاً إلى حد كبير و واعداً بنفس المستوى للاقتصاد الامريكي. لقد كان كلاهما بلداً زراعياً وغنياً.
لكن مع مرور الوقت استعمل الامريكيون فائض ثروتهم الزراعية الهائلة لبناء اقتصاد صناعي من خلال استيرادهم للفكر الصناعي الأوروبي.
أما الأرجنتين فإنها استعملت فوائض ثروتها الزراعية الكبيرة لاستيراد بضائع البذخ والرفاهية من أوروبا ولصرف جزء كبير من تلك الثروة على حياة البذخ والابتذال التي عاشتها الأقلية الفائقة الغنى الأرجنتينية في مدن أوروبا.
ونتيجة لذلك الفرق الهائل في الفهم والفعل بين البلدين انتهت أمريكا بالتقدم الزراعي والصناعي والتكنولوجي الهائل الذي نراه أمامنا، بينما انتهت الأرجنتين بإعلان إفلاسها المدوي منذ عشر سنوات وهبوطها من عاشر اقتصاد في العالم في الخمسينات من القرن الماضي إلى البؤس الذي تعيشه الآن كدولة من العالم الثالث الذي يكافح ويتعثًّر في نموه.
الأغنياء في الأرجنتين الذين ملكوا ثروة بلادهم الأساسية، ولكنهم ببلادة وطيش أضاعوها عبر العصور، يشبهون إلى أبعد الحدود أغنياء البترول في بلداننا، من الذين يتحكمون في ثروة هائلة وناضبة، ويمارسون نفس السًّفه:
إنهم يكتفون باستيراد البذخ وعيش البذخ ويرفضون تنمية العلم والتكنولوجيا والإنسان واستيراد الأفكار العظيمة القادرة إلى الدفع إلى الأمام.
إنهم سيدفعون بلداننا، عاجلاً وآجلاً، نحو نفس المصير الأرجنتيني:
إضاعة فرصة تاريخية قد لا تعود وانحدار تدريجي نحو الإفلاس الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
عبر قرنين من الزمن عرفت عواصم الغرب سفهاً أرجنتينيا أضاع البلاد وأفقر العباد، وذلك من قبل أقليًّة معتوهة جاهلة.
اليوم تجوًّل في عواصم الغرب لترى أقلية عربية معتوهة جاهلة تفعل الأمر نفسه وتقود نحو إضاعة البلاد وإفقار العباد.) (مقال بعنوان : ثروة البترول العربية ودرس الأرجنتين لعلي محمد فخرو )
وبالتالي فالحضارة الشيئية حضارة كاذبة سرابية واهمة كجنة المسيح الدجال أو مثل السراب وسط الصحراء فأصحاب الحضارة السرابية يحسبون انهم متحضرين قد بلغوا أوج الحضارة ينظرون لغيرهم نظرة دونية فان حدث الظمأ الحضاري بسبب نفاذ الثروات الباطنية من بترول وغاز اكتشفوا وهم حضارتهم وسرابها وزيفها فكانوا بحق في دائرة الكفر الحضاري لأنهم كانوا مؤمنين بالصنمية الحضارية القائمة على الشيئية لا الحضارة المتكاملة بأقانيمها الثلاثة أقنوم الانسان (المورد البشري ) وأقنوم الوقت وأقنوم التراب "لأن الحضارة هي التي تلد منتجاتها وسيكون من السخف والسخرية حتما أن نعكس هذه القاعدة حين نريد أن نصنع حضارة من منتجاتها "( شروط النهضة ص 47 بن نبي) " والعالم الاسلامي يعمل منذ نصف قرن على جمع أكوام من منتجات الحضارة,أكثر من أن يهدف الى بناء حضارة " ( ن م ص 48)
والحضارة السرابية حضارة قائمة على السفه الفاعلون فيها سفهاء وجب الحجر عليهم , وقد عمل الفاعلون فيها على نشر السفه أفقيا وجعله يخالط ويمس كافة الفئات الاجتماعية والعمرية كوسيلة لحماية نفوذهم وحكمهم فحكام الحضارة السرابية يعملون على توفير حضارة الشهوة واللذة والمتعة والنشوة بحجة عدم نسيان نصيبنا في الدنيا في إطار الحلال باستيراد المنتجات الحضارية , بينما يعملون جاهدين على إقصاء الفكر والعقل من حضارتهم الوهمية ,لأن الفكر والعقل سيعمل على إيقاظ أهل الحضارة السرابية فيكتشفون أنهم كانوا يعيشون في حلم وردي جميل وزيف واقعي كبير فيعملون على تغيير واقعهم بداية بتغيير مسئوليهم بعد أن يحملوهم السبب في عيشهم حضارة سرابية ستكون هزاتها الارتدادية وبالا عليهم وان كنا منعنا شرعا أن لا نؤتي أموالنا للسفهاء ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ النساء (5) - فالأوجب منه أن لا نؤتي أوطاننا للسفهاء حتى لا يقيموا لنا حضارة سرابية ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ النور (39)
بوقفة رؤوف
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ النور (39)
ينتج الفكر الأعرابي حضارة سرابية شيئية والتي قوامها تجميع الأشياء فهي حضارة تراكمية تجميعية للأشياء المادية وكما أن تجميع اللبنات مع الرمل و الماء و الاسمنت لا يعطي لنا جدار إسمنتي بل يعطي لنا كومة أشياء فكذلك قوام الحضارة الشيئية حضارة لا تقوم على فكرة ولا على الأشخاص بل على الأشياء فان حدث وسقطت الأشياء سقطت الحضارة ولم تقم لها قائمة بعد ذلك , فالحضارات التي قامت على الأفكار إن حدث ودمرت بفعل الحروب ( اليابان وألمانيا مثلا) فإنها سرعان ما تعاود النهوض لكن الحضارات التي قامت على الأشياء ( البترول مثلا) فانه في حالة حدوث كارثة بشرية (حروب) أو طبيعية ( زلزال...) أو نفاذ البترول فإنها ستنهار ولن تقوم لها قائمة فنماذج (ما يفعله أغنياء البترول العرب بثروة البترول من بطر وتبذير في بذخ أسطوري مبتذل لم يعد مقبولاً لا بمقاييس الأخلاق ولا الذوق الرفيع ولا أحكام الــــدين.
وهي أفعال تتساوى في مساوئها وسقوطها في سلُّم القيم الإنسانية على مستوى الأفراد والمسؤولين في مؤسسات الحكم المختلفة.
على مستوى الأفراد لا يحتاج المراقب لأكثر من التجوال في شوارع لندن التجارية ومناطق سكنها الفاحشة الأثمان ليرى العجب العجاب.
فأن يسوق شباب خليجيون سيارات فارهة مطلية بالذهب وتصل أسعار بعضها إلى أكثر من مليون جنيه إسترليني، أو أن يفاخر أحدهم بأنه اشترى رقم سيارته في مزاد علني في بلاده بتسعة ملايين جنيه، أو أن يتبختر أحدهم بأنه نقل سيارته الأعجوبة من بلاده إلى لندن بواسطة طائرته الخاصة، أو أن يزور أحدهم متجر مجوهرات فلا يخرج منه إلاُ وقد صرف عشرين مليون جنيه، أو أن يدفع بعضهم مئة مليون جنيه لشراء شقًّة فاخرة تطلُّ على منتزه هايد بارك، فأن يحدث كل ذلك من قبل أناس لم يمارسوا قط الإنتاج أو الإبداع أو العمل المضني فانه بطر مجنون لا بد من طرح ألف سؤال وسؤال بشأنه كظاهرة مرضية تثير الغثيان ولا بد أيضاً من مساءلة المجتمعات والأنظمة السياسية التي فرًّخت تلك الظاهرة العبثيًّة.
على مستوى الحكومات تعبت الأقلام وجفًّ حبرها وهي تكتب عن عبثية الصًّرف على شراء أسلحة لا تستعمل، على إعلام يهبط بأذواق الناس ويكذب عليهم ويقودهم إلى جحيم الصٍّراعات المذهبية والقبلية والعرقية، على قصور ويخوت وطائرات خاصة عزًّ نظيرها في قصص ألف ليلة وليلة، على اقتصاد ريعي لا يبني تنمية إنتاجية - معرفية مستدامة وإنٌّما يلعب بالمال البترولي في ساحات القمار والمضاربات العقارية والأسهمية ومن ثمًّ تذرف الحكومات الدًّمع على تراجع خدماتها الأساسية الإنسانية في حقول الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية للأطفال والمسنٍّين والعجزة والمهمُّشين والفقراء، وماذا تفيد دموع التماسيح وعجز الإرادة.
لكن دعنا نورد لهؤلاء وأولئك ما حدث لدولة الأرجنتين، دولة السًّمن والعسل في القرن التاسع عشر فلعلُّنا نأخذ العبر قبل فوات الأوان.
يذكر الكاتب الإنكليزي ألن بيتي في كتابه ' الاقتصاد الكاذب ' الذي يراجع تاريخ الاقتصاد في العالم، بأن الاقتصاد الأرجنتيني كان مشابهاً إلى حد كبير و واعداً بنفس المستوى للاقتصاد الامريكي. لقد كان كلاهما بلداً زراعياً وغنياً.
لكن مع مرور الوقت استعمل الامريكيون فائض ثروتهم الزراعية الهائلة لبناء اقتصاد صناعي من خلال استيرادهم للفكر الصناعي الأوروبي.
أما الأرجنتين فإنها استعملت فوائض ثروتها الزراعية الكبيرة لاستيراد بضائع البذخ والرفاهية من أوروبا ولصرف جزء كبير من تلك الثروة على حياة البذخ والابتذال التي عاشتها الأقلية الفائقة الغنى الأرجنتينية في مدن أوروبا.
ونتيجة لذلك الفرق الهائل في الفهم والفعل بين البلدين انتهت أمريكا بالتقدم الزراعي والصناعي والتكنولوجي الهائل الذي نراه أمامنا، بينما انتهت الأرجنتين بإعلان إفلاسها المدوي منذ عشر سنوات وهبوطها من عاشر اقتصاد في العالم في الخمسينات من القرن الماضي إلى البؤس الذي تعيشه الآن كدولة من العالم الثالث الذي يكافح ويتعثًّر في نموه.
الأغنياء في الأرجنتين الذين ملكوا ثروة بلادهم الأساسية، ولكنهم ببلادة وطيش أضاعوها عبر العصور، يشبهون إلى أبعد الحدود أغنياء البترول في بلداننا، من الذين يتحكمون في ثروة هائلة وناضبة، ويمارسون نفس السًّفه:
إنهم يكتفون باستيراد البذخ وعيش البذخ ويرفضون تنمية العلم والتكنولوجيا والإنسان واستيراد الأفكار العظيمة القادرة إلى الدفع إلى الأمام.
إنهم سيدفعون بلداننا، عاجلاً وآجلاً، نحو نفس المصير الأرجنتيني:
إضاعة فرصة تاريخية قد لا تعود وانحدار تدريجي نحو الإفلاس الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
عبر قرنين من الزمن عرفت عواصم الغرب سفهاً أرجنتينيا أضاع البلاد وأفقر العباد، وذلك من قبل أقليًّة معتوهة جاهلة.
اليوم تجوًّل في عواصم الغرب لترى أقلية عربية معتوهة جاهلة تفعل الأمر نفسه وتقود نحو إضاعة البلاد وإفقار العباد.) (مقال بعنوان : ثروة البترول العربية ودرس الأرجنتين لعلي محمد فخرو )
وبالتالي فالحضارة الشيئية حضارة كاذبة سرابية واهمة كجنة المسيح الدجال أو مثل السراب وسط الصحراء فأصحاب الحضارة السرابية يحسبون انهم متحضرين قد بلغوا أوج الحضارة ينظرون لغيرهم نظرة دونية فان حدث الظمأ الحضاري بسبب نفاذ الثروات الباطنية من بترول وغاز اكتشفوا وهم حضارتهم وسرابها وزيفها فكانوا بحق في دائرة الكفر الحضاري لأنهم كانوا مؤمنين بالصنمية الحضارية القائمة على الشيئية لا الحضارة المتكاملة بأقانيمها الثلاثة أقنوم الانسان (المورد البشري ) وأقنوم الوقت وأقنوم التراب "لأن الحضارة هي التي تلد منتجاتها وسيكون من السخف والسخرية حتما أن نعكس هذه القاعدة حين نريد أن نصنع حضارة من منتجاتها "( شروط النهضة ص 47 بن نبي) " والعالم الاسلامي يعمل منذ نصف قرن على جمع أكوام من منتجات الحضارة,أكثر من أن يهدف الى بناء حضارة " ( ن م ص 48)
والحضارة السرابية حضارة قائمة على السفه الفاعلون فيها سفهاء وجب الحجر عليهم , وقد عمل الفاعلون فيها على نشر السفه أفقيا وجعله يخالط ويمس كافة الفئات الاجتماعية والعمرية كوسيلة لحماية نفوذهم وحكمهم فحكام الحضارة السرابية يعملون على توفير حضارة الشهوة واللذة والمتعة والنشوة بحجة عدم نسيان نصيبنا في الدنيا في إطار الحلال باستيراد المنتجات الحضارية , بينما يعملون جاهدين على إقصاء الفكر والعقل من حضارتهم الوهمية ,لأن الفكر والعقل سيعمل على إيقاظ أهل الحضارة السرابية فيكتشفون أنهم كانوا يعيشون في حلم وردي جميل وزيف واقعي كبير فيعملون على تغيير واقعهم بداية بتغيير مسئوليهم بعد أن يحملوهم السبب في عيشهم حضارة سرابية ستكون هزاتها الارتدادية وبالا عليهم وان كنا منعنا شرعا أن لا نؤتي أموالنا للسفهاء ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ النساء (5) - فالأوجب منه أن لا نؤتي أوطاننا للسفهاء حتى لا يقيموا لنا حضارة سرابية ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ النور (39)
بوقفة رؤوف
lundi 24 mars 2014
تجليات النص المقدس: /رؤوف بوقفة
تجليات النص المقدس:
النص الديني , نص مقدس ثابت لا يتغير ,
﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾( فصلت 42) وهو مع هذا يتجلى في ثلاث مراتب للفهم مرتبة الإسلام , مرتبة الإيمان, مرتبة الإحسان)
وتجليات النص المقدس توقيفية من منزل الكتاب : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ , فليس بمقدور الفكر أن يزيد مرتبة للتجلي أو يقصي مرتبة , لكن للفكر أن يجتهد ضمن النسق المعرفي لتجليات النص المقدس , فتكون بذلك الفكرة الدينية ذات صبغة اسلاموية أو ذات صبغة إيمانية أو صبغة احسانية :﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُون﴾ (البقرة 138) وكلها في إطار الفكرة الإسلامية بثلاث مستويات للفكرة : المستوى الأول للفكرة الدينية والمستوى الأوسط للفكرة الدينية والمستوى الأسمى للفكرة الدينية ,المستوى الأسمى ألإحساني يضم في مستواه المستوى الأول والثاني للفكرة ويرقى بهما وعليهما , بينما المستوى الثاني الإيماني يضم في مستواه المستوى الأول الاسلاماوي ويعلو عليه
وكثير من أصحاب المستوى الأول للفكرة الدينية ( الفكرة الدينية الاسلاموية ) هم الذين يحجرون على الفكرة الدينية , باعتقادهم أن المستوى الأول للفكرة الدينية هو المستوى الأوحد وأن الفهم الاسلاماوي هو الفهم الأصوب ,باعتبارهم الفرقة الناجية
وهذا الفهم الذي يشكل خطرا على الفكرة الدينية لأنه يقولبها في صنمية تمنعها من النمو والتحرر , فكر بدائي موجود منذ القدم ,لا تخلوا منه أمة فالشعب اليهودي ناد به من قبل وما زال صنف منه يدعيه ليتسلل بعدها للأمة المسيحية : " فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللهَ قَائِلِينَ: «قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ " ( إنجيل لوقا 7 16)
النص الديني , نص مقدس ثابت لا يتغير ,
﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾( فصلت 42) وهو مع هذا يتجلى في ثلاث مراتب للفهم مرتبة الإسلام , مرتبة الإيمان, مرتبة الإحسان)
وتجليات النص المقدس توقيفية من منزل الكتاب : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ , فليس بمقدور الفكر أن يزيد مرتبة للتجلي أو يقصي مرتبة , لكن للفكر أن يجتهد ضمن النسق المعرفي لتجليات النص المقدس , فتكون بذلك الفكرة الدينية ذات صبغة اسلاموية أو ذات صبغة إيمانية أو صبغة احسانية :﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُون﴾ (البقرة 138) وكلها في إطار الفكرة الإسلامية بثلاث مستويات للفكرة : المستوى الأول للفكرة الدينية والمستوى الأوسط للفكرة الدينية والمستوى الأسمى للفكرة الدينية ,المستوى الأسمى ألإحساني يضم في مستواه المستوى الأول والثاني للفكرة ويرقى بهما وعليهما , بينما المستوى الثاني الإيماني يضم في مستواه المستوى الأول الاسلاماوي ويعلو عليه
وكثير من أصحاب المستوى الأول للفكرة الدينية ( الفكرة الدينية الاسلاموية ) هم الذين يحجرون على الفكرة الدينية , باعتقادهم أن المستوى الأول للفكرة الدينية هو المستوى الأوحد وأن الفهم الاسلاماوي هو الفهم الأصوب ,باعتبارهم الفرقة الناجية
وهذا الفهم الذي يشكل خطرا على الفكرة الدينية لأنه يقولبها في صنمية تمنعها من النمو والتحرر , فكر بدائي موجود منذ القدم ,لا تخلوا منه أمة فالشعب اليهودي ناد به من قبل وما زال صنف منه يدعيه ليتسلل بعدها للأمة المسيحية : " فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللهَ قَائِلِينَ: «قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ " ( إنجيل لوقا 7 16)
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ (المائدة (18 ثم استبد بالأمة الإسلامية بعد أن نفضت باقي الأمم عقولها منه ,فكل طائفة منا تدعي أنها هي الطائفة المنصورة والفرقة الناجية وهذا الفكر وان اتخذ الدين غطاءا له فانه بعيد عن روح الدين إن لم نقل منافيا لها ,يؤمن بحرفية النص وبظاهر القول دون إعمال للعقل ولا تفعيل للقلب , فهو تجسيد للعقد النفسية الفردية منها والجماعية يغالي في الاحتياط حتى ترك للدين الرحمة نصيا ونزعها من قلوبهم فعليا مجسدا الظاهرة الفرعونية في قوله تعالى :﴿ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ (غافر29 (فنظرته للأمور نظرة شيئية ,جزئية ,سطحية ,يركز على مسائل الخلاف ويصنف من خلالها الناس فجعل الفكرة الدينية/الخطاب الديني كله جرح وتعديل ويصنف من خلاله الناس ,يحتكر وحده الحقيقة كفكر إقصائي لا يؤمن بالآخر ولا بالتكامل والتنوع ...
والإسلام كخاتم الرسائل والمهيمن عليها :﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾( المائدة 48) دين مرحلي يصاحب الإنسان في مراتب الارتقاء الحضارية ,حيث تبدأ الرحلة بمحطة الإسلام الذي وضح الرسول أركانه في قوله : {بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ){ رواه البخاري ومسلم .)
ثم نصل إلى المحطة الثانية , محطة الإيمان والتي قال فيها الرسول :{ أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره .}
لنصل بعدها للمحطة الأخيرة , محطة الإحسان والذي قال فيه الرسول : {أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.{
جاءت مجتمعة في الحديث عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: {بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً . قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان ؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره . قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان ؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة ؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل . قال: فأخبرني عن أمارتها ؟ قال: أن تلد الأَمَةُ ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان . قال: ثم انطلق فلبثت مليّاً، ثم قال لي: يا عمر، أتدري من السائل ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) رواه مسلم .
هذه هي المرحلية الحركية للإسلام الحضاري التي وجب على أصحاب الفكرة الدينية مواكبة خطابهم الديني لها , لكن للأسف بعض أصحاب الفكر الديني اكتفوا من هذه المرحلية الحركية بالمحطة الأولى فقط فجاء فكرهم الديني اسلاماوي وهم عن جهل لا يعرفون أن الرحلة لم تنته ومازالت محطتين مهمتين , لذلك جاء خطابهم الديني مضرا للإسلام , مشوها له ,مسيئا إليه
ولقد هيمن الفكر الديني الاسلاماوي على الخطاب الديني واحتكره لوحده ,فأصبح هو الناطق الرسمي للنص المقدس والمفسر له والمتحدث باسمه , وهذه الهيمنة ,ليست بهيمنة فكرية نتيجة قوة الطرح و ملائمته وموائمته للمتغير بل لأنه قبس أثر من تجلي النص الديني
إن هيمنة الفكر الاسلاماوي على الخطاب الديني ,جاء نتيجة تبني أنظمة شمولية له مجسدة إياه بفكرة القوة , مسخرة في ذلك المال العام لخدمته وتصديره وانتشاره وتعميمه ومحاربة في نفس الوقت الفكر الايماني والفكر الاحساني لأنهما يهددان الأنظمة الشمولية المستبدة باسم الدين في معقلها , فيصبح المجتمع المسلم مجتمع موجه ويتحول الدين الذي هو ثورة الشعوب ومحررها وفق الفكرة الدينية الايمانية والاحسانية الى أفيون يخدر الشعوب وينومها , فالدين الذي يحجر على العقل ويحارب الإبداع بدعوى الابتداع ويحارب التطور السنني هو دين نتاج خطاب ديني اسلاماوي ,جاء لخدمة مصالح الحكام وحلفاؤهم من رجال دين البلاط مهما تعددت المسميات واختلفت المسببات.
والإسلام كخاتم الرسائل والمهيمن عليها :﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾( المائدة 48) دين مرحلي يصاحب الإنسان في مراتب الارتقاء الحضارية ,حيث تبدأ الرحلة بمحطة الإسلام الذي وضح الرسول أركانه في قوله : {بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ){ رواه البخاري ومسلم .)
ثم نصل إلى المحطة الثانية , محطة الإيمان والتي قال فيها الرسول :{ أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره .}
لنصل بعدها للمحطة الأخيرة , محطة الإحسان والذي قال فيه الرسول : {أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.{
جاءت مجتمعة في الحديث عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: {بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً . قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان ؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره . قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان ؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة ؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل . قال: فأخبرني عن أمارتها ؟ قال: أن تلد الأَمَةُ ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان . قال: ثم انطلق فلبثت مليّاً، ثم قال لي: يا عمر، أتدري من السائل ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) رواه مسلم .
هذه هي المرحلية الحركية للإسلام الحضاري التي وجب على أصحاب الفكرة الدينية مواكبة خطابهم الديني لها , لكن للأسف بعض أصحاب الفكر الديني اكتفوا من هذه المرحلية الحركية بالمحطة الأولى فقط فجاء فكرهم الديني اسلاماوي وهم عن جهل لا يعرفون أن الرحلة لم تنته ومازالت محطتين مهمتين , لذلك جاء خطابهم الديني مضرا للإسلام , مشوها له ,مسيئا إليه
ولقد هيمن الفكر الديني الاسلاماوي على الخطاب الديني واحتكره لوحده ,فأصبح هو الناطق الرسمي للنص المقدس والمفسر له والمتحدث باسمه , وهذه الهيمنة ,ليست بهيمنة فكرية نتيجة قوة الطرح و ملائمته وموائمته للمتغير بل لأنه قبس أثر من تجلي النص الديني
إن هيمنة الفكر الاسلاماوي على الخطاب الديني ,جاء نتيجة تبني أنظمة شمولية له مجسدة إياه بفكرة القوة , مسخرة في ذلك المال العام لخدمته وتصديره وانتشاره وتعميمه ومحاربة في نفس الوقت الفكر الايماني والفكر الاحساني لأنهما يهددان الأنظمة الشمولية المستبدة باسم الدين في معقلها , فيصبح المجتمع المسلم مجتمع موجه ويتحول الدين الذي هو ثورة الشعوب ومحررها وفق الفكرة الدينية الايمانية والاحسانية الى أفيون يخدر الشعوب وينومها , فالدين الذي يحجر على العقل ويحارب الإبداع بدعوى الابتداع ويحارب التطور السنني هو دين نتاج خطاب ديني اسلاماوي ,جاء لخدمة مصالح الحكام وحلفاؤهم من رجال دين البلاط مهما تعددت المسميات واختلفت المسببات.
الخطاب الديني /رؤوف بوقفة
الخطاب الديني :
نقصد بالخطاب الديني الترجمة السلوكية للفكرة الدينية من المرسل إلى المتلقي الذي هو المجتمع
وبهذا فالخطاب الديني لا يقتصر على اللغة فقط كوسيلة إيصال واتصال لترجمة لإيضاح الفكرة الدينية ,فالفكرة الدينية التي تصدر من مرجعية دينية متمثلة في فتوى الجهاد ,يحث من خلالها الشباب المسلم للنفير العام لممارسة الجهاد في دولة مسلمة أخرى باعتبارها ارض جهاد واعدا إياهم بحور العين في الفردوس الأعلى بينما يكتفي هو بالخطاب الإعلامي والجهاد اللفظي التعبوي التحريضي فقط و لا يكون القدوة بنفسه والسّباق بجسمه وبأولاده ,ليذهب بعد خطبته المجلجلة إلى مصيف غربي يقضي فيه إجازته الصيفية ,بينما أولاده يواصلون دراستهم في أرقى الجامعات الأجنبية ...
فخطابه هذا لا يعتبر خطاب ديني – ونحن هنا لا نناقش فكرته الدينية في حد ذاتها ومدى مشروعيتها وموضوعيتها فذلك موضوع آخر نعالجه في مقال آخر- بل نركز على خطابه الذي يعتبر شحن عاطفي وتوجيه لطاقة إيمانية شبابية ,توجيه استغلالي انتهازي لم يتولد عن قناعة ذاتية ولا رغبة إيمانية بل على مصالح دنيوية
فالخطاب الديني هو الترجمة الواقعية للفكرة الدينية كسلوك اجتماعي حضاري ,يجمع ولا يفرق ,يبني ولا يهدم ,وهو بذلك قول مقترن بعمل يتخير الزمن والمكان وتبدل الأحوال وتفاوت العقول فعنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ:" مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلا كَانَ فِتْنَةً عَلَيْهِمْ " . مسلم في مقدمة صحيحه :ج1/ص10المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي ص 362 جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج1 ص539
وعن الإمام عَلِيٌّ كرم الله وجهه :"َحدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ وَرَسُولُهُ."صحيح البخاري ج1 ص37
وروى أبو الحسن التميمي في كتاب العقل له بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"نحن معاشر الأنبياء نخاطب الناس على قدر عقولهم ."
فالعقول تتفاوت درجة استيعابها لنفس المعلومة من فرد لآخر على مستوى الأفراد وكذلك العقل الجمعي للأمة يختلف فهمه للمسألة من زمن لآخر وهذا يسبب تبدل الأعراف ,لذلك وجب أن يراعى في الخطاب الديني هذا التفاوت النسبي في الاستيعاب كسنة اجتماعية وكفطرة جماعية
والخطاب الديني في الوقت الراهن تم تحويله إلى رهينة إعلامية,أفرزت للوجود دعاة نجوم على القنوات الفضائية يقدمون خطاب ديني استهلاكي كمهدئات ترهن الأمة في أحلام اليقظة ,فبدل أن يكون مرسل الخطاب الديني طبيب يدرس الأعراض ليشخص المرض فيصف الدواء للأمراض الاجتماعية , تحول إلى مقدم برنامج ما يطلبه المستمعون أو ما يريده المشاهدون ولنتخيل معا ماذا لو طلب طبيب من مريض هو لم يعلم بعد بمرضه أي دواء سيعطيه له؟؟؟
كما أن الخطاب الديني يجب أن يكون واقعي ينطلق من المجتمع ليعود إليه , لا يتوه في عالم المثل أو التركيز على الغيبيات دون ما سواها أو العلوم الدينية التي لا علاقة لها بإصلاح المجتمع...
فالملاحظ اليوم ازدياد عدد الدعاة وتنوعهم حتى تحول كل داعية من مقدم برنامج دعوي إلى صاحب قناة دينية ومع هذا ازداد المجتمع تفككا وتحللا حتى أصبح الأمر يشبه متلازمة كلما ازداد المجتمع تفسخا ازدادت القنوات الدينية وتجارة الكتب الدينية
لذلك فالمجتمع اليوم يحتاج إلى مصلحين لا دعاة ,لأن الخطاب الديني فقد مصداقيته على يد الدعاة ,فتحول إلى كلام سياسي أحيانا وأحيانا أخرى إلى وسيلة للإثراء غير المشروع أخلاقيا , حتى أصبح المسلم الملتزم متهما داخل مجتمعه بالتكسب بالدين كأخف التهم , بسبب من استغل الخطاب الديني لتحقيق مصالح خاصة متاجرا بآمال الأمة
لذلك فالخطاب الديني يجب أن يكون خطاب سلوكي واقعي على يد مصلحين اجتماعيين لا دعاة صنف منهم تحول إلى نجوم وفقاعات إعلامية وصنف آخر تحول إلى قضاة يحاسبون على النوايا كأننا في زمن محاكم التفتيش .
الفكرة الدينية: رؤوف بوقفة
نقصد بالفكرة الدينية فهمنا للدين, بمعنى أن الفكرة الدينية هي نتاج تفاعل العقل مع الدين ,فالدين باعتباره عامل ثابت مقدس تعهد الله بحفظه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾
( الحجر /09) والفهم باعتباره نتاج عقلي فهو عامل متغير بالنسبة للأفراد والجماعات والأزمنة والأمكنة ,ففهم البدوي غير فهم الحضري وفهم المتعلم يختلف عن فهم غير المتعلم وفهم المعاصرين للرسول يختلف عن فهم العصر العباسي الذي هو بدوره يختلف عن العصر العثماني وعن عصرنا الحالي ,وذلك بسبب تفاوت الفهم بين الأشخاص : ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُواْ الْأَلْبَابِ ﴾ (الزمر/09) وبحكم البيئة والزمان والمكتسبات والوراثة والاستعداد الفطري: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾( الحجرات 13) ﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾( الإسراء 21) وباعتبار أن النص الديني جاء خطابا للعقل الإنساني ,فان العقل البشري يتلقى النص الديني لفهمه ثم يعيد صياغته ,فيضفي عليه في إطار سلسلة من الإسقاطات النفسية والزمنية والبيئية فيصبح عند ذلك فكرة دينية
و إن كان النص الديني مقدس ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾( فصلت 42) عند التلقي ,فانه بعد تفاعله مع العقل يصبح فكرة دينية متغيرة حسب الظروف لذلك قيل الفتوى تدور مع الزمان والمكان واعتبرت المصالح المرسلة احد مصادر التشريع الإسلامي وبرزت قاعدة لزوم تغير الفتوى عند تغير العرف وقاعدة العادة محكمة ( راجع ثر قاعدة تغير الفتوى بتغير الأزمان والأحوال لأحمد بن باكر بن صالح البكري وتغير الفتوى: أسبابه وضوابطه لأحمد بن عبد العزيز الحداد)
ولتوضيح الأمر لنعطي مثلا بالنص الديني الذي يحرم الاختلاء بالأجنبية , والفكرة الدينية للشافعي هي جواز اختلاء الشيخ بالمرأة العجوز ,وفتواه هذه أفتاها في العراق باعتبار أنه رأى أن المجتمع العراقي في وقته انعدام الشهوة عند كبار السن ,لكن الفكرة الدينية نفسها تغيرت عند نفس الشخص بعد نزوله مصر وملاحظته وجود شهوة عند كبار السن فيها ,فأفتى بحرمة اختلاء الشيخ بالمرأة العجوز
فالفكرة الدينية هنا تغيرت بسبب عنصر المكان ,كما أن الفكرة الدينية تتغير بتغير الأحوال :"وهو الذي جعل عمر بن عبد العزيز حينما كان واليا على المدينة المنورة يقبل القضاء بشهادة ويمين ولما كان في الشام رفض هذا,قيل له كنت تقبل هذا في المدينة ,فقال اني وجدت الناس في الشام على غير ما عهدتم عليه في المدينة ,فعندما تغيرت أخلاق الناس تغير الحكم ." كتاب موجبات تغير الفتوى في عصرنا / يوسف القرضاوي ص 51
كما أن الفكرة الدينية المتعلقة بالرق مثلا أو بالسبي تغيرت بتغير الزمان مع أنها كنص ديني ثابتة
وبالتالي فالنص الديني ثابت لا يتغير,أما الفكرة الدينية فهي متغيرة ,ومن الأخطاء القاتلة في الفكر الإسلامي إضفاء القدسية على الفكرة الدينية ورفعها لمرتبة النص الديني وما نتج على ذلك باتهام المخالف للفكرة الدينية بالفسق والتبديع وحتى الكفر.
نقصد بالفكرة الدينية فهمنا للدين, بمعنى أن الفكرة الدينية هي نتاج تفاعل العقل مع الدين ,فالدين باعتباره عامل ثابت مقدس تعهد الله بحفظه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾
( الحجر /09) والفهم باعتباره نتاج عقلي فهو عامل متغير بالنسبة للأفراد والجماعات والأزمنة والأمكنة ,ففهم البدوي غير فهم الحضري وفهم المتعلم يختلف عن فهم غير المتعلم وفهم المعاصرين للرسول يختلف عن فهم العصر العباسي الذي هو بدوره يختلف عن العصر العثماني وعن عصرنا الحالي ,وذلك بسبب تفاوت الفهم بين الأشخاص : ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُواْ الْأَلْبَابِ ﴾ (الزمر/09) وبحكم البيئة والزمان والمكتسبات والوراثة والاستعداد الفطري: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾( الحجرات 13) ﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾( الإسراء 21) وباعتبار أن النص الديني جاء خطابا للعقل الإنساني ,فان العقل البشري يتلقى النص الديني لفهمه ثم يعيد صياغته ,فيضفي عليه في إطار سلسلة من الإسقاطات النفسية والزمنية والبيئية فيصبح عند ذلك فكرة دينية
و إن كان النص الديني مقدس ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾( فصلت 42) عند التلقي ,فانه بعد تفاعله مع العقل يصبح فكرة دينية متغيرة حسب الظروف لذلك قيل الفتوى تدور مع الزمان والمكان واعتبرت المصالح المرسلة احد مصادر التشريع الإسلامي وبرزت قاعدة لزوم تغير الفتوى عند تغير العرف وقاعدة العادة محكمة ( راجع ثر قاعدة تغير الفتوى بتغير الأزمان والأحوال لأحمد بن باكر بن صالح البكري وتغير الفتوى: أسبابه وضوابطه لأحمد بن عبد العزيز الحداد)
ولتوضيح الأمر لنعطي مثلا بالنص الديني الذي يحرم الاختلاء بالأجنبية , والفكرة الدينية للشافعي هي جواز اختلاء الشيخ بالمرأة العجوز ,وفتواه هذه أفتاها في العراق باعتبار أنه رأى أن المجتمع العراقي في وقته انعدام الشهوة عند كبار السن ,لكن الفكرة الدينية نفسها تغيرت عند نفس الشخص بعد نزوله مصر وملاحظته وجود شهوة عند كبار السن فيها ,فأفتى بحرمة اختلاء الشيخ بالمرأة العجوز
فالفكرة الدينية هنا تغيرت بسبب عنصر المكان ,كما أن الفكرة الدينية تتغير بتغير الأحوال :"وهو الذي جعل عمر بن عبد العزيز حينما كان واليا على المدينة المنورة يقبل القضاء بشهادة ويمين ولما كان في الشام رفض هذا,قيل له كنت تقبل هذا في المدينة ,فقال اني وجدت الناس في الشام على غير ما عهدتم عليه في المدينة ,فعندما تغيرت أخلاق الناس تغير الحكم ." كتاب موجبات تغير الفتوى في عصرنا / يوسف القرضاوي ص 51
كما أن الفكرة الدينية المتعلقة بالرق مثلا أو بالسبي تغيرت بتغير الزمان مع أنها كنص ديني ثابتة
وبالتالي فالنص الديني ثابت لا يتغير,أما الفكرة الدينية فهي متغيرة ,ومن الأخطاء القاتلة في الفكر الإسلامي إضفاء القدسية على الفكرة الدينية ورفعها لمرتبة النص الديني وما نتج على ذلك باتهام المخالف للفكرة الدينية بالفسق والتبديع وحتى الكفر.
الجلسة الرابعة : صناعة القابلية /البرمجة السلبية الجماعية/رؤوف بوقفة
بعد أن رأينا في الجلسة السابقة كيفية صناعة قابلية فردية عن طريق برمجة سلبية في شكل قصة الفيل نيلسون , نتطرق في هذه الجلسة إلى البرمجة السلبية الجماعية عن طريق صناعة قابلية جمعية ممنهجة ومنظمة تحكمها قوانين ومنهج نبسطها في شكل تجربة علمية خطيرة ومفزعة نتائجها ودلالاتها تعرف بالقردة الخمسة
قصة القردة الخمسة:
أحضر باحث خمسة قرود، ووضعها في قفص! وعلّق في منتصف القفص حُزمة موز، وضع تحتها سُلّماً. بعد مدة قصيرة
وجد أن قرداً ما من المجموعة اعتلي السُّلم محاولاً الوصول إلى الموز. ما أن وضع يده على الموز، حتى أطلق الباحث رشاشاً من الماء البارد على القردة الأربعة الباقين وأرعبهم!! بعد قليل حاول قرد آخر أن يعتلي نفس السُّلم ليصل إلى الموز
كرِّر الباحث نفس العملية ، رُش القردة الباقين بالماء البارد. كرِّر العملية أكثر من مرة
بعد فترة وجد أنه ما أن يُحاول أي قرد أن يعتلي السُّلم للوصول إلى الموز ستمنعه المجموعة خوفاً من الماء البارد.
الآن
سنبعد الماء البارد، ونخرج قرداً من الخمسة إلى خارج القفص، ونضع مكانه قرداً جديداً (لنسميه سعدان) لم يُعاصر ولم يُشاهد رَش الماء البارد. سرعان ما سيذهب سعدان إلى السُّلم لقطف الموز، حينها ستهب مجموعة القردة المرعوبة من الماء البارد لمنعه وستهاجمه. بعد أكثر من محاولة سيتعلم سعدان أنه إن حاول الآن سنخرج قرداً آخر ممن عاصروا حوادث رش الماء البارد (غير القرد سعدان)، وندخل قرداً جديداً عوضاً عنه. ستجد أن نفس المشهد السابق سيتكرر من جديد.
القرد الجديد يذهب إلى الموز، والقردة الباقية تنهال عليه ضرباً لمنعه، بما فيهم سعدان على الرغم من أنه لم يُعاصِر رش الماء، ولا يدري لماذا ضربوه في السابق، كل ما هناك أنه تعلم أن لمس الموز يعني (عَلْقَة) على يد المجموعة. لذلك ستجده يُشارك، رُبما بحماس أكثر من غيره بكَيل اللّكمات والصفعات للقرد الجديد
(ربما تعويضاً عن حُرقَة قلبه حين ضربوه هو أيضاً) !
قطف الموز سينال (عَلْقَة ً قِردَانيّة) من باقي أفراد المجموعة !
سنستمر بتكرار نفس الموضوع، ونخرج قرداً ممن عاصروا حوادث رش الماء، ونضع قرداً جديداً، وسيتكرر نفس الموقف. سنكرر هذا الأمر إلى أن تستبدل كل المجموعة القديمة ممن تعرضوا لرش الماء بقرود جديدة!
في النهاية سنجد أن القردة ستستمر تنهال ضرباً على كُل من يجرُؤ على الاقتراب من السُّلم
لماذا
لا أحد منهم يدري
لكن هذا ما وَجدَت المجموعة نفسها عليه منذ أن جاءت إلى القفص
بعد أن رأينا في الجلسة السابقة كيفية صناعة قابلية فردية عن طريق برمجة سلبية في شكل قصة الفيل نيلسون , نتطرق في هذه الجلسة إلى البرمجة السلبية الجماعية عن طريق صناعة قابلية جمعية ممنهجة ومنظمة تحكمها قوانين ومنهج نبسطها في شكل تجربة علمية خطيرة ومفزعة نتائجها ودلالاتها تعرف بالقردة الخمسة
قصة القردة الخمسة:
أحضر باحث خمسة قرود، ووضعها في قفص! وعلّق في منتصف القفص حُزمة موز، وضع تحتها سُلّماً. بعد مدة قصيرة
وجد أن قرداً ما من المجموعة اعتلي السُّلم محاولاً الوصول إلى الموز. ما أن وضع يده على الموز، حتى أطلق الباحث رشاشاً من الماء البارد على القردة الأربعة الباقين وأرعبهم!! بعد قليل حاول قرد آخر أن يعتلي نفس السُّلم ليصل إلى الموز
كرِّر الباحث نفس العملية ، رُش القردة الباقين بالماء البارد. كرِّر العملية أكثر من مرة
بعد فترة وجد أنه ما أن يُحاول أي قرد أن يعتلي السُّلم للوصول إلى الموز ستمنعه المجموعة خوفاً من الماء البارد.
الآن
سنبعد الماء البارد، ونخرج قرداً من الخمسة إلى خارج القفص، ونضع مكانه قرداً جديداً (لنسميه سعدان) لم يُعاصر ولم يُشاهد رَش الماء البارد. سرعان ما سيذهب سعدان إلى السُّلم لقطف الموز، حينها ستهب مجموعة القردة المرعوبة من الماء البارد لمنعه وستهاجمه. بعد أكثر من محاولة سيتعلم سعدان أنه إن حاول الآن سنخرج قرداً آخر ممن عاصروا حوادث رش الماء البارد (غير القرد سعدان)، وندخل قرداً جديداً عوضاً عنه. ستجد أن نفس المشهد السابق سيتكرر من جديد.
القرد الجديد يذهب إلى الموز، والقردة الباقية تنهال عليه ضرباً لمنعه، بما فيهم سعدان على الرغم من أنه لم يُعاصِر رش الماء، ولا يدري لماذا ضربوه في السابق، كل ما هناك أنه تعلم أن لمس الموز يعني (عَلْقَة) على يد المجموعة. لذلك ستجده يُشارك، رُبما بحماس أكثر من غيره بكَيل اللّكمات والصفعات للقرد الجديد
(ربما تعويضاً عن حُرقَة قلبه حين ضربوه هو أيضاً) !
قطف الموز سينال (عَلْقَة ً قِردَانيّة) من باقي أفراد المجموعة !
سنستمر بتكرار نفس الموضوع، ونخرج قرداً ممن عاصروا حوادث رش الماء، ونضع قرداً جديداً، وسيتكرر نفس الموقف. سنكرر هذا الأمر إلى أن تستبدل كل المجموعة القديمة ممن تعرضوا لرش الماء بقرود جديدة!
في النهاية سنجد أن القردة ستستمر تنهال ضرباً على كُل من يجرُؤ على الاقتراب من السُّلم
لماذا
لا أحد منهم يدري
لكن هذا ما وَجدَت المجموعة نفسها عليه منذ أن جاءت إلى القفص
dimanche 23 mars 2014
mercredi 19 mars 2014
مالك بن نبي شروط النهضة
mardi 18 mars 2014
lundi 17 mars 2014
dimanche 16 mars 2014
vendredi 14 mars 2014
jeudi 13 mars 2014
mercredi 12 mars 2014
قراءة ذكية جدا لفكر مالك بن نبي (من طرف).Leila El Mahi
ﺍﻟﻄﻔﻠﺔ ﻭﻫﻴﺒﺔ ﺗﻮﻣﻲ
mardi 11 mars 2014
في صفحتنا كتاب..مولود قاسم نايت بلقاسم مقدمة من طرف....Clarc Xiaw
جميل جدا ان يترشف فتيات اليوم عبقرية مالك بن نبي لتكون النتيجة حجاب و افكار راقية من شانها ان تبني المجتمع
كتاب من أجل التغيير الفصل الاول ..المذهب الإقتصادي الإجتماعي المنتضر الصفحة ثالثة.
كتاب من اجل التغيير ...الفصل الاول ..المذهب الإقتصادي الإجتماعي المنتضر الصفحة الثانية
كتاب من اجل التغيير ..الفصل الاول ..المذهب الإقتصادي الإجتماعي المنتضر الصفحة الاولى.
lundi 10 mars 2014
السياسيين ذوي التوجه الإسلامي./Houssam Eddine Bouhedja
samedi 8 mars 2014
Inscription à :
Articles (Atom)