الخطاب الديني :
نقصد بالخطاب الديني الترجمة السلوكية للفكرة الدينية من المرسل إلى المتلقي الذي هو المجتمع
وبهذا فالخطاب الديني لا يقتصر على اللغة فقط كوسيلة إيصال واتصال لترجمة لإيضاح الفكرة الدينية ,فالفكرة الدينية التي تصدر من مرجعية دينية متمثلة في فتوى الجهاد ,يحث من خلالها الشباب المسلم للنفير العام لممارسة الجهاد في دولة مسلمة أخرى باعتبارها ارض جهاد واعدا إياهم بحور العين في الفردوس الأعلى بينما يكتفي هو بالخطاب الإعلامي والجهاد اللفظي التعبوي التحريضي فقط و لا يكون القدوة بنفسه والسّباق بجسمه وبأولاده ,ليذهب بعد خطبته المجلجلة إلى مصيف غربي يقضي فيه إجازته الصيفية ,بينما أولاده يواصلون دراستهم في أرقى الجامعات الأجنبية ...
فخطابه هذا لا يعتبر خطاب ديني – ونحن هنا لا نناقش فكرته الدينية في حد ذاتها ومدى مشروعيتها وموضوعيتها فذلك موضوع آخر نعالجه في مقال آخر- بل نركز على خطابه الذي يعتبر شحن عاطفي وتوجيه لطاقة إيمانية شبابية ,توجيه استغلالي انتهازي لم يتولد عن قناعة ذاتية ولا رغبة إيمانية بل على مصالح دنيوية
فالخطاب الديني هو الترجمة الواقعية للفكرة الدينية كسلوك اجتماعي حضاري ,يجمع ولا يفرق ,يبني ولا يهدم ,وهو بذلك قول مقترن بعمل يتخير الزمن والمكان وتبدل الأحوال وتفاوت العقول فعنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ:" مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلا كَانَ فِتْنَةً عَلَيْهِمْ " . مسلم في مقدمة صحيحه :ج1/ص10المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي ص 362 جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج1 ص539
وعن الإمام عَلِيٌّ كرم الله وجهه :"َحدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ وَرَسُولُهُ."صحيح البخاري ج1 ص37
وروى أبو الحسن التميمي في كتاب العقل له بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"نحن معاشر الأنبياء نخاطب الناس على قدر عقولهم ."
فالعقول تتفاوت درجة استيعابها لنفس المعلومة من فرد لآخر على مستوى الأفراد وكذلك العقل الجمعي للأمة يختلف فهمه للمسألة من زمن لآخر وهذا يسبب تبدل الأعراف ,لذلك وجب أن يراعى في الخطاب الديني هذا التفاوت النسبي في الاستيعاب كسنة اجتماعية وكفطرة جماعية
والخطاب الديني في الوقت الراهن تم تحويله إلى رهينة إعلامية,أفرزت للوجود دعاة نجوم على القنوات الفضائية يقدمون خطاب ديني استهلاكي كمهدئات ترهن الأمة في أحلام اليقظة ,فبدل أن يكون مرسل الخطاب الديني طبيب يدرس الأعراض ليشخص المرض فيصف الدواء للأمراض الاجتماعية , تحول إلى مقدم برنامج ما يطلبه المستمعون أو ما يريده المشاهدون ولنتخيل معا ماذا لو طلب طبيب من مريض هو لم يعلم بعد بمرضه أي دواء سيعطيه له؟؟؟
كما أن الخطاب الديني يجب أن يكون واقعي ينطلق من المجتمع ليعود إليه , لا يتوه في عالم المثل أو التركيز على الغيبيات دون ما سواها أو العلوم الدينية التي لا علاقة لها بإصلاح المجتمع...
فالملاحظ اليوم ازدياد عدد الدعاة وتنوعهم حتى تحول كل داعية من مقدم برنامج دعوي إلى صاحب قناة دينية ومع هذا ازداد المجتمع تفككا وتحللا حتى أصبح الأمر يشبه متلازمة كلما ازداد المجتمع تفسخا ازدادت القنوات الدينية وتجارة الكتب الدينية
لذلك فالمجتمع اليوم يحتاج إلى مصلحين لا دعاة ,لأن الخطاب الديني فقد مصداقيته على يد الدعاة ,فتحول إلى كلام سياسي أحيانا وأحيانا أخرى إلى وسيلة للإثراء غير المشروع أخلاقيا , حتى أصبح المسلم الملتزم متهما داخل مجتمعه بالتكسب بالدين كأخف التهم , بسبب من استغل الخطاب الديني لتحقيق مصالح خاصة متاجرا بآمال الأمة
لذلك فالخطاب الديني يجب أن يكون خطاب سلوكي واقعي على يد مصلحين اجتماعيين لا دعاة صنف منهم تحول إلى نجوم وفقاعات إعلامية وصنف آخر تحول إلى قضاة يحاسبون على النوايا كأننا في زمن محاكم التفتيش .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire